الخميس، ٤ ديسمبر ٢٠٠٨

جَو(ي)




You Belong in Spring




Optimistic, lively, and almost always happy with the world...

You can truly appreciate the blooming nature of spring.

Whether you're planting flowers or dyeing Easter eggs, spring is definitely your season!


لك وحدك

إعذرني سيدي عندما أصرح بأنك...



لست الأفضل...ولا الأذكى ...
لست الأجمل...أو الأغنى...
ثم إنك لم تكن يوماً الأمثل...ناهيك عن الأتقى...



لكنني أعترف ياسيدي بأنك في عالم عشقي...

الأول والأبقى

كانت معكم من وراء المايكرفون ... بقلمي الملون...أنا

الجمعة، ١٤ نوفمبر ٢٠٠٨

انوثة1

بسم الله الرحمن الرحيم


***


زماااااان عندما كنت صغيرة كان يستوقفني ، يستهويني ويأكل جزءاً من دماغي وربما أكل جزءاً كبيراً من قلبي أيضاَ... يا الله كم كنت ساذجة...


كان يجذبني بطولة وقوامه الممشوق ... وصوته الفاتن يسترعي كامل انتباهي و يسمرني حيث أنا ... وأظل هناك خلف شباكي أناظره من بعيد لبعيد... علاقتنا كانت محرمة فأنا الصغيرة بجدائلي أحبه وأهواه وأتمناه ...وهو الكبير بطولة الفارع لا ولن يكون لواحدة من صاحبات الجدائل...


يالله كم كنت ساذجة ... بالنسبة لي كان رغبة جامحة وحب من طرف واحد وجنون طفلة يراودها حلم الانوثة... وكان عالم آخر وإجابة على سؤال من مجمل أسئلة فضولية...


شائت الأزمان أن أكبر و شائت الأقدار أن تتحول الجدائل إلى خصلات حرة ترتمي على كتفي ... فألتقينا و تصاحبنا وأصبح لي ... أصبح لي وبأشكال كثيرة وألوان متعددة ... أدخلته عالمي فرحة مغتبطة ... أحببت تأثيره علي و عشقت ملازمة صوته لخطواتي ... وأصبحت أختال برشاقة في مشيتي مزهوة به ونظرات الإعجاب تحيط بنا معاً ...


لكنه لم يكن مثالي جداً و لم يكن مريحاً أو مخلصاً لي... أصبح يخنقني ، يقتلني ويقصمني إلى نصفين ... و أصبحت أعرج في مشيتي إن أطلنا البقاء معاً...جميل هو نعم ...لكنني أقدر راحة بالي أكثر من جماله... هكذا قررت أن أخلعه والخلع حق من حقوقي... يقره المجتمع ويعترف به ...

وهجرت الحذاء ذو الكعب العالي ... وما عاد طوله يستهويني ولا صوته يستوقفني...


وعدت لحذاء الطفولة ... أركض به متى أشاء ... أستكشف به أين أشاء ...وأكون به من أشاء... ومازلت ساذجة تمشي بلا خيلاء وكلها انوثة ...

***


كانت معكم من وراء المايكرفون ... أنثى من زمن الطفولة ... أنا

الأربعاء، ٥ نوفمبر ٢٠٠٨

فوضى مرتبة

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد انقطاع لمدة طويلة نسبياً ... لا أستطيع إلا ان اعود لأقلامي و أوراقي ...و أعود للكتابة

يبدو لي إن الكتابة قدري أو ربما اكون أنا القدر المفروض على الكتابة...و لما اشغل نفسي بهذه التساؤلات لما لا أكتفي بنثر حروفي على صفاحتها فتشكل بفوضاها المشاكسة ترتيب أتميز به أنا

لطالما تمنيت أن اكون مرتبه منظمة منمقة كالآخرين...لكنني اليوم أدرك إن الفوضى هي نكهتي المميزة وطعمي الخاص ... وأدرك إن النظام أحيانا يكون مملاً وإن في الفوضى جمالية عفوية خاصة ...فأهلا بك حروفي المبعثرة ومرحى لك صفحاتي "الملخبطة"

دعوني آخذكم إلى عالمي لأشرح لكم أحدى معاني العشوائية المنظمة التي تغزوني

صباح كل يوم أقف امام مرآتي لأمشط خصلات شعري المتناثرة ... امشط وامشط وامشط ... حينها تبدو خصلاتي مرتبه أكثر من اللازم وأبدو كمن يحاول جاهدا ليكون شخص آخر ... تمتد أصابعي لتنكش شعري قليلاً ...يبدو الآن و كأنه قد صافح أحدى نسمات الصباح الدافئة...نعم هذا هو شعري وهذه هي أنا

وكما خصلات شعري تكون جميع أشيائي و مشاعري ايضاً فوضوية لدرجة الترتيب ...مرتبة لدرجة البعثرة... وهكذا أنا برتقالة تجمع بين حموضة الليمون وحلاوة الرمان و رائحة الحمضيات النفاذة...هكذا أنا لوحة لجزيرة صغيرة يتهادى البحر على شطآنها و بقلبها بيت تحيط به حديقة صغيرة و يسكنه عاشقان...ألوان هذه اللوحة مختلفة متباينة لكنها تمتزج وبعضها في نسق حميم... هكذا رأيت نفسي دائماً كما الحكايات التي تمتليء بها الكتب وتفيض بها ذاكرة الأجداد

هذا هو حديث اليوم ... ولنا غدا حديث آخر ... سأختم أسطر اليوم ولكن مهلاً

تذكرت شيئاً ... حكاية الفوضى تبدأ معي صباحاً كما اخبرتكم سابقاً ولكنها لا تتنتهي عندما تغرب الشمس بل تبدأ معي فصل جديد من الحكاية... وقبل أن انام ...ابعثر مخدتي ولحافي و ادخل بينهما ... وعندما اغمض عيناي اسافر في رحلة فوضوية أخرى من الأحلام...ويالها من رحلة


:)

تحياتي

كانت معكم من وراء المايكرفون...الفوضى المرتبة...أنا

الاثنين، ٢٢ سبتمبر ٢٠٠٨

((وتستمر رحلة البحث عن الذات))

My LONG Scientific Personality
.
.
ENFJ- The Teacher
.
.
I scored 55% I to E, 37% N to S, 14% F to T, and 42% J to P
.
.
Your type is known as the teacher, or the educating mentor. You also belong to the larger group, called idealists. You tend to bring out the best in other people. You lead without seeming to do so. People are naturally drawn to you. You expect the very best from people which takes the form of enthusiastic encouragement which is so charming that people try their best not to disappoint you. You share your personality type with 3% of the population.You need to feel a deep and meaningful connection to your romantic partners, and go to great lengths to understand and please your mate. Harmony is vitally important to you, and you often put others' needs before your own. You have a pretty thin skin and are easily hurt. Although you strive for harmony, when your values or ethics are violated, you can be very emotional, confrontational, and even punishing. However, you are very insightful about the underlying cause of conflicts, and an excellent communicator, so you have the tools to bring about a quick and peaceful resolution as long as you can keep control of your facilities. You want to be appreciated for your thoughtfulness and compassion. You need your partner to make a real effort to get to know you. Above all, you need to be able to express your feelings and have them taken seriously
.
.
Your group summary: idealists (NF)
Your type summary: ENFJ

السبت، ٢٠ سبتمبر ٢٠٠٨

أي نوع من البهارات أنا؟

السلام عليكم ...

اممممممممممم ... في مهمة البحث عن الذات... شكولاته تفعل أي شي وكل شيء...

اليوم حاولت أعرف لو كنت بهارات ... أي بهار راح أكون؟!!...

وكالعادة العم قوقل حلال المشاكل ...
دلني على 3 مواقع ممكن تخبرني عن شخصيتي البهارية...

وبصراحة النتيجة كانت كل مرة مفااااااااااااجأة ...


الموقع الأول قال...






You Are Cilantro




The bad news is that there are some people who can't stand you.

The good news is that most people love you more than anything else in the world.

You are distinct, unusual, fresh, and very controversial. And you wouldn't have it any other way.




بإختصار يعني كزبرة ... امممممممممم يمكن أنا كزبرة بس خليني أبحث أكثر...


***


الموقع الثاني يقووووووول ... إني


زعفراااااااااااان ...
.
.
You are Saffron! The rarest of the rare, you are mysterious, elusive and completely intoxicating. You effect everything you touch and more, when you enter a room it is like throwing a stone into a still pond. You're not even sure why you have this effect on people, and even if you did you wouldn't tell. Secretive and tempting, everyone remembers you, even if they only met you for an instant.Saffron is the rarest and most expensive spice in the world. It is made up of the dried stigmas of the saffron croucous and each strand must be harvested and dried by hand. It takes 75,000 strands of saffron to produce one pound of the spice. However, the flavor and coloring power of a single stand make it possible to use the spice sparingly. It is most commonly used in Indian and Middle Eastern dishes
.
.
اممممممممم أنا اقول بما ان الزعفران بهار عربي شرقي مشهووور ... فيمكن بالفعل أنا زعفرانة...
لكن ما يمنع أبد إني اواصل البحث...
خليني اجوف الموقع الثالث شيقوووول...
.
.
***
بس الموقع الثالث بصراحة صدمني جداً وعطى رايه في إني ...
.
.
ثووووووم :(
Garlic

You are Garlic! No offence, but you stink. Pretty much everyone loves you, though. You're smart and pretty hot and you fit in with about any culture. You're a total cut-up; in fact, the more cut-up you get, the hotter you become. But be careful, when you get embarrassed, you turn really
sweet
.
.
بعد هالراي بصراحة ... أنا هونت ما أبي اعرف اي نوع من البهار يناسبني ...
.
.
كانت معكم من وراء المايكرفون ... مس بهارات ...أنا

بهارات


مؤسف جداً ... رددت وهي تخترق عيني بعينيها ...

مؤسف جداً ... رددتها مرة أخرى ... وفي كل مرة كانت ترددها كانت نظراتها تعريني أكثر وتحرقني أكثر ...

ولكنني قررت الرحيل ... ولن أعود في قراري... سأتركها وأرحل ولن أتراجع ... و لن يكون الأمر مؤسف جداً كما تردد...

تشاغلتُ بتحريك حبات السكر في فنجان القهوة الذي احتسيه ... وأشحت بنظري عنها تأكيداً على قراري ...

مشَطت خصلات شعرها بيد واثقة و عادت تردد مؤسف جداً ... مؤسف جداً أن يكون لك حبيبة مثلي ثم تتركها و ترحل لـ الا شيء... أنا الملح في طبق اللحم المشوي الذي تعشقه ... أنا القرفة في كعكة الجزر بالجوز ... أنا حب الهال في كوب شايك ... أنا الفلفل الأسود و القرنفل ... وأنا الكمون و ورق الغار ... أنا بهاراتك و طعم حياتك...


مؤسف جداً ... أن تتناول طعامك بلا بهارات ...


***


وغادرت ... لم تتردد

تركت مقعدها فارغ أمامي ... وقهوتي مرة بدون سكر...

مؤسف جداً أن أتناول طعامي بلا بهارات...

مؤسف جداً...
.
.
.
.
كانت معكم من وراء المايكرفون... الشطة...شكولاته

الاثنين، ١٥ سبتمبر ٢٠٠٨

زيزفونة ورجال البلاط -كاملة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين...

لكل من يهوى الأدب لكل من يعشق القصص لزوار مدوتني الكرام... أضع اليوم بين أيديكم نتاج أول عمل قصصي لي...راجية من المولى أن يحوز على رضاكم...كما أحب ان انوه إن هذا القصة ليس بالقصة التاريخيه وليس لها صلة لا من قريب ولا من بعيد بعصر من العصور ولا بدولة من الدول ولا بشخص من شخوص الواقع...إنها قصة خيالية صرفة وليس لها علاقة إلا بمخيلتي الصغيرة...كما وأحب أن أعتذر مسبقاً عن أي خطأ نحوي او بلاغي أو حتى إملائي يقع في النص فجل من لا يخطيء....

الحلقة الأولى

.... أنا زيزفونة ...لم اتجاوز العشرين من عمري بعد...وأنا إحدى جواري الملك...ويقولون إني مدار حديث رجال البلاط حيثما أجتمعوا...ولست أدري لما...فلست بأجمل جواري القصر...بل الحق يقال أنا اقلهن جمالاً وفتنة...لكني وكما يقال أدهى جواري الملك وأوسعهن حيلة...وكيف لا أكون؟!..تعالوا معي لأخبركم من هي زيزفونة؟...وكيف وَصَلَت إلى البلاط؟ زيزفونة أيتها الصغيرة القذرة. لا تسألي من أنتِ. فمن الأفضل أن لا تعرفي... هكذا كانت تصيح بي خالتي سعدية كلما سألتهاعن هويتي... مع مرور الايام تعلمت ألا اسأل واكتفيت بخالتي سعدية...حقيقةً ليس لي علم بحقيقة قرابتي بخالتي سعدية...فمرة اسمع إنها ابنة عم بعيدة لأبي...ومرة اسمع أنها كانت جارة امي وصديقتها المقربة...ومرة أخرى اسمع أن لا صلة لها بي بتاتاً غير إنها اشفقت علي كوني فتاة مقطوعة من شجرة فأخذتني عندها وربتني... فهي في نهاية الأمر وحيدة لازوج لها ولا ولد...وكما تعلمت ألا اسألها عن هويتي ، تعلمت ألا اسألها عن قرابتي بها ايضاً...فقد كانت تثور وتقذفني بأي شي يقع تحت يدها عندما كنت أوجه لها اسألتي حولي وحولها...اقنعت نفسي أن من الحكمة تقبل الأمور كما هي... فما فائدة معرفتي بالأمور إذا شٌج رأسي أو كُسرت لي يد أو رجل... كنت أتوجه صباح كل يوم إلى السوق برفقة خالتي سعدية...هناك نفترش قطعة حصير صغيرة...نعرض عليها بيض دجاجاتنا و ماتنتجه حديقة البيت الصغيرة من خضروات وفواكه موسمية...ولا نعود للبيت إلا وقد بعنا كل ما بجعبتنا...كنت استمتع بذلك ايما ستمتاع...ففي السوق تستطيع أن ترى الناس من كل الأجناس...الغني والفقير...الجاهل والمتعلم...الأبيض والاسود...المرأة والرجل...ابن البلد والأجنبي...بالإضافة إلى أن كبير وزراء الملك يزور السوق مرة كل اسبوع...حتى الملك يزور السوق أحياناً...وقد كنت استمتع جداً بمراقبة الجميع في صمت وأنا اقوم بعملي المعتاد...أبعد الذباب عن معروضاتنا...أغسل الخضروات والفواكه بالماء بين حين وآخر لتبدو نظرة...أو أحمل ما تشتريه بعض نساء المجتمع المخملي ورائها... عندما بلغت السادسة عشرة من عمري مرضت خالتي سعدية مرضاً شديداً فارقت على إثره الحياة...تاركتاً بيتها المتواضع، حديقتها الصغيرة ودجاجاتها لي وحدي...فهي الأخرى لا أحد لها في الدنيا غيري...آآآه كم كنت احب خالتي سعدية...صحيح إنها كانت قاسية معي أغلب الأحيان...كانت تضربني وتثور في وجهي لأتفه الاسباب...ولكنها كانت تحنو علي دائماً...تعتني بمأكلي ومشربي وملبسي دائماً...تدثرني ليلاً عندما انام... و في الأعياد تضع في يدي مبلغاً لا بأس به وتطلب مني أن اتصرف به كما اشاء...آآآه كم احبك يا خالتي سعدية...بكيت بكاءاً مراً عندمارأيت جسدها الضخم يوضع في تلك الحفرة والتراب ينهال عليها من كل جانب...ربت الجميع على راسي وقالوا هذه هي حال الدنيا يازيزفونة...هذه هي حال الدنيا...نخرج لهذه الدنيا ونحن نبكي ونغادرها فيبكي علينا الآخرون... وهكذا صرت اذهب للسوق وحيدة...صار لزاماً علي تأمين لقمة العيش وحدي ...وكم تمنيت الموت تلك الأيام...فما نفع العيش إن لم يكن هناك من يشاركك مأكلك ومشربك ومسكنك...ما نفع العيش إن لم يكن لك من تبثه همومك وآهاتك...ما نفع العيش إن لم يكن لك من يشاركك أحلامك وأفراحك...وفي أحد الأيام وبينما كنت اغسل خضرواتي وفواكهي كما علمتني خالتي سعدية...صرخ فيَ احدهم قفي يافتاة...أجفلتني الصرخة فرششت الماء حولي كالبلهاء...رفعت رأسي لأرى إنني قد بللت ثوباً لو عملت طيلة حياتي في البيع والشراء لما استطعت أن اشتري متر واحد من قماشه...نهضت مسرعة ورحت اتعذر من الرجل الواقف أمامي...قلت آسفة حوالي مائة مرة...وتعذرتُ حتى من حراسه ومرافقيه...فقد كان من بللته كبير وزراء الملك...كان يزور السوق ذلك اليوم...وقد صدف أن رأى ثمار البطيخ التي أبيعها...وقد اشتهاها لنظارتها ونظافتها فتوقف ليشتري منها...وانا بغبائي وغفلتي التي لا تغتفر بللت ثوبه الثمين...ولكنه ولشدة عجبي ودهشتي لم يتأثر بذلك ولم يهتم...أكتفى بأن سألني عن أحوالي ثم سأل عن ثمن البطيخ...واستطعت أنا بدهائي وحيلتي الواسعة بأن ابيعه كل ما على فرشتي الصغيرة من فواكه وخضروات...جاء طالباً البطيخ فأشترى كل معروضاتي...زيزفونة المحتالة الصغيرة...تذهب لتشتري منها التفاح وينتهي بك الأمر لشراء الفجل...هكذا كان جاري في السوق يقول...ليبعد عني من أستطاع من مشترين...ولكنه لم يستطع يوماً تحقيق غرضه الخبيث...فالجميع يفضلون الشراء من فوق حصير زيزفونة...البنت الصغيرة ((أم لسان عسل)) وهذا ما كنت أُلقب به في السوق...زيزفونة أم لسان عسل... نعود لذلك اليوم...يوم ابتاع مني كبير الوزراء...لممت حاوئجي حالما غادر...وانطلقت عائدة للبيت فرحةً بما حققته من ربح وفير...ولكن وكما يقال((يافرحة ما تمت)) ففي منتصف طريقي للمنزل انتابني شعور غريب بأن احدهم يتبعني...وما كدت أفتح باب بيتي حتى شعرت بيد قوية تمسك بجسدي النحيل بقوة ويد اخرى تغطي فمي لتمنعني من الصراخ وطلب المساعدة...ثم ما لبثت الدنيا إلا وأن اسودت في عيني...افقت بعد مدة لأجد نفسي مقيدة وملقاة على سرير صغير في غرفة صغيرة مظلمة...أحسست بالالم في كل جزء من جسدي...وشعرت بحاجة ماسةً لشرب الماء...فصرخت بكل ما أوتيت من قوة...مــاء أريد المــاء...فتح الباب بعد حوالي خمس دقائق...دخلت سيدة صغيرة الحجم ومعها رجل ضخم الجثة اشعث الشعر وقد اخافني شكله كثيراً...خيل لي إنني مت وإنه أحد الشياطين التي تعيش تحت الارض...كما كانت خالتي سعدية تخبرني...اقتربت مني السيدة ووضعت يدها على راسي في حنو وسقتني الماء...ثم طلبت من الرجل أن يفك قيد رجلي...واقتادتني إلى غرفة أخرى اكبر واوسع وأجمل بكثير من تلك الحجيرة الصغيرة المخيفة...شعرت بإطمئنان غريب لتلك المرأة...وكما تعودت دائماً لم أطرح اية اسأله وإنما اكتفيت بتخمين من تكون و ماهية حقيقة تواجدي معها في هذا البيت الكبير...الذي بدا لي كالقصر حينها...بعدة عدة دقائق أخرى فتح الباب ودخل منه رجل مهيب تعرفت عليه على الفور فلم يكن سوى كبير وزراء الملك...ألم يسامحني على ما سببته من بلل لثوبه؟!...أم ان أحدى ثماري لم تعجبه؟!!...هل يريد الإنتقام مني لذلك؟!!...

###################################

الحلقة الثانية-هدية الملك...
لم ازل أفكر في سبب تواجدي في حجرة واحدة مع كبير الوزراء... وكان هو يجلس منتصباً كالاسد على كرسي عريض مذهب جُعل فوق منصة عالية نوعاً ما...لم يسبق لي أن دخلت لبيت من بيوت وجهاء البلد قبلاً ...لذلك لم اسمح لنفسي بأن احكم على هذا الكرسي أو هذه المنصة...حتى وإن بدا لي حينها مظهر من مظاهر التكلف...ولكن ماأدراني أنا بما يحب وجهاء القوم وما أدراني أين يجلسون...ثم أعتقد إنه لاحظ نظراتي الفضولية...فصرخ في المرأة اللطيفة التي كانت تجلس بجانبي...يا عاتكة ،حينها انتفضت المسكينة واقفة ...فأشار لها بسبابته بإسلوب متعجرف...أمسكت عاتكة بيدي وأقتادتني اليه...ثم ما لبثت أن غادرت الحجرة واغلقت الباب وراءها...هناك على منصة كبير الوزراء وقفت كالصنم...كنت لا أزال اشعر بالصدمة جراء أختطافي بهذا الشكل العنيف...مالذي فعلته ياترى؟! ومالذي يريده مني؟!...ومازلت افكر في ذلك الأمر...حتى امتدت يده لتفك قيود يدي...سألني قبل ان يجلس مرة اخرى: ما اسمك يافتاة؟...فأجبت بثقة :زيزفونة ياسيدي...جلس على الطرف الايمن من الكرسي بحيث ترك مجالاً لي لأجلس بجانبة...رأيت ان من عدم الحكمة أن ارفض الجلوس بجانبه...صحيح إنني لست إلا فتاة صغيرة...لكن الحياة ربتني جيداً وعلمتني ألا اتخذ من المواقف مايثير عداء الأقوى والأكبر علي...فلست استطيع حماية نفسي من شخص مثله...جلست بجانبة وأنا أشعر بالتقزز منه...فأنا أعرف جيداً مايريده أمثاله...أمتدت يده لتتحسس شعري ووجهي ويداي...وقد تمكنت على الرغم من آلامي وشعوري الطاغي بالقرف من رسم ابتسامة زائفة على وجهي...لست بجميلة ابداً، فأنا ممن يتمتعون بمستوى جمال اقل من المتوسط بقليل...لكني اعلم ان لي ابتسامة خلابة تسلب الالباب وتسرق القلوب...فقد كانت خالتي سعدية تعتني بأسناني ايما اعتناء...كانت ترغمني على شرب الحليب على الرغم من إنني امقته...وكانت تأمرني بأن انظف اسناني بالماء بعيد كل وجبة... كما كانت تهتم بشراء أجود أنواع السواك لي ولها...لذا فقد اصبح منظر اسناني وقد اصطفت بنظام وترتيب كعقد من اللؤلؤ الامع...وكانت خالتي سعدية تأمرني دائماً بأن ابتسم في وجوه الزبائن...كانت تقول: ابتسمي يازيزفونة فلإبتسامتك سحر لست أعرف ماهيته ولكنه سحر يؤثر في القلوب...تذكرت كلام الخالة سعدية في ذلك الوقت...فأظهرت ابتسامتي في وجهه ...والحق يقال فإنني رايت ملامحه كلها تتبدل...بدا كالخائف من شيء ما وقد خيل لي إنني رأيت دموع في عينيه...تراجع للخلف قليلاً وقال وهو ينظر مباشرةً في عيَنَيَ :هل تعرفين لما أنت هنا يازيزفونة؟...أجبته وكلي فضول لمعرفة الحقيقة:لا،لست اعرف سبب وجدي هنا ياسيدي...فقال: هل كنت تعتقدين إنك خدعتني اليوم في السوق؟...رأيت إنه من الافضل أن لا أجيب عن سؤاله هذا وتحاشيت النظر إلى عينيه...واصل يقول: وهل يعقل أن أُخدع من قبل فتاة مثلك...لا لم تنطلي حيلك علي وإني لأعترف أنها قد تنطلي على غيري ...لكن أنا أكثر ذكاء ودهاء من ذلك بكثير...وقد اشتريت جميع محصولك المتواضع لسببين...السبب الأول هو إنك بدوت لي فتاة فطنة ، نابهة و ذكية...ثم واصل حديثه وهو يقرب فمه من أذني اكثر وأكثر واصبح حديثة الآن كمن يهمس همساً : وأنا أحب الذكاء في الفتيات من عمرك، إنه لأمر مثير لرجل في مثل سني ومركزي...انكِ لداهية مثلي تماماً يازيزفونة... وعلى الرغم من إني أعلم إن مايقوله صحيح تماماً إلا إنني شعرت برغبة جامحة في تسديد لكمه قوية لأحدى عينيه...ولكنني تماسكت ووأبعدت هذا الفكرة عني...وقد بدأ هو على كل حال في العودة إلى مكانة الأصلي من الكرسي...واضاف يقول أما السبب الثاني والأكثر أهمية يا زيزفونتي الصغيرة...هو إنك هديتي للملك!!!...غادر الغرفة تاركاً أياي اتسائل ماذا يعني بقوله إنني هديته للملك...يااااااااااااااااه كم اكره هذا الرجل...كم أكرهه...

####################################

الحلقة الثالثة-إلى البلاط...


في صبيحة اليوم التالي...ايقظتني عاتكة فجراً...أعطتني ثوباً حريرياً وعقداً طويلاً من الحجارة الملونة وخفاً أزرق اللون مطرزاً بنقوش فضية...فرحت بهذه الملابس جداً...فلم يسبق لي قبلاً أن ارتديت ملابساً فخمةً كهذه...ولم أحلم يوماً أن ارتدي مثلها ابداً...مرة أخرى تذكرت خالتي سعدية...فأغرورقت عيناي بالدموع...رحم الله خالتي سعدية...كانت تقول دائماً: يبدو لي أنك ستتزوجين برجلٍ مثلك تماماً لا أصل له ولا فصل...وستعيشان معاً في فقر شديد...عندها ستلجأين لخالتك سعدية وستطلبين مساعدتي ...ولن أبخل عليك ولا على زوجك وعيالك بشيء...كنت أصدق خالتي سعدية فيما تقول دائماً...فبالنسبة لي كلام خالتي سعدية مصدق عليه قبل أن ينطقه لسانها...حتى لو أخبرتني بأن السماء خضراء فسأصدقها حتماً...لست ساذجة أو غبية أبدا...ولكن خالتي سعدية كانت الدنيا بما فيها بالنسبة لي...وقد تقبلت كلامها وتنبؤاتها عني وآمنت بها دائماً...سارعت بإرتداء تلك الملابس...وتوقفت أمام المرآة الضخمة التي نصبت أمامي أتفحص شكلي الجديد...أحسست بشعور غامر بالسعادة...ورغبت ان استعرض نفسي أمام كل البشر...وأكثر من اي شيء أردت أن ازور السوق...حيث كنت أعمل...لطالماً حلمت بأن أختبر شعور سيدات الطبقات المخملية...وهن يتبخترن في اثوابهن الحريرية...يشترين كل ما يحببن وبلا تفكير فيما سيدفعن من أموال...وتُحمل أشيائهن ورائهن ...كم حلمت أن امشي في السوق وعيون المعجبين تلاحقني من مكان لآخر...قطع صوت عاتكة علي أفكاري...نادتني لتناول طعام الإفطار...جلست على طاولة ضخمة من الخشب الفاخر...أجلستني عاتكة على الطرف الأيمن من الطاولة...وعلى رأس الطاولة وبجانبي جلس ذلك اللعين...كبير الوزراء...كان الفطور يحوي مالذ وطاب من اصناف الطعام...تعرفت على بعضها والبعض الآخر كان مما لم أره في حياتي...لم اشعر بشهية للطعام...فقد كان عقلي مشغول بشيء آخر...كان من الواضح لي إنني مقبلة على مرحلة جديدة من حياتي...مرحلة كلها ترف وسعادة...ألم يقل إنني هديته للملك...فعلى الرغم من إني لم أفهم هذه الجملة تماماً...إلا إنني أعتقد إنني سوف أنتقل لقصر الملك...ألا تقبع كل هدايا الملك هناك؟!...وقد كنت محقة تماماً...فقد أخذني كبير الوزراء إلى قصر الملك...ذلك القصر المهيب...ببواباته السبع...وحدائقه الغناء...لم أر مكان في حياتي أجمل من قصر الملك...وقد تخيلت دائماً إنه جنة الله على أرضه...لكن مالم اتوقعه أو احلم به يوماً...هو أن ادخل هذا القصر...وعلى الرغم من قرفي من كبير الوزراء...إلا إنني تظاهرت بالود تجاهه...أمسكت بأطراف أصابع يده بكل رقة...وقد راقبت سروره وغبطته حين فعلت ذلك...لذا فقد صرحت وبشيء من الوقاحة بيني وبين نفسي...إنني مستعدة لإعطائه مايريد لقاء مافعله معي...أتذكر جيداً كيف أدخلني مباشرة إلى مجلس الملك...كان مجلساً واسعاً أنيقاً يفوق قدرتي على الوصف...ولكن ما أدهشني فعلاً هو كرسي الملك أم يسمونه عرش الملك لم اكن أدري بشيء وقتها...فكل مالفت نظري هو إن ذلك الكرسي ليس إلا نسخة طبق الأصل عن الكرسي الذي جلست عليه بجانب كبير الوزراء ليلة البارحة...أخذت اقلب الأمر في رأسي قليلاً و وصلت إلى نتيجة مفادها...إن كرسي الملك ليس بالنسخة إنما الاصل...وإن لدى كبير الوزراء رغبة جامحة في الوصول إلى الحكم...لذا فقد صنع نسخة من كرسي الملك ووضعه في مجلس صغير متواضع...ليجلس عليه متى أراد...ويتشعر أهميته الزائفة...وقد وجدت ذلك الفعل مثير للشفقة جداً...عاودني شعور قوي بالقرف والكراهية لهذا الرجل...أمسك بيدي وقادني إلى عرش الملك...قال بصوته الأجش: زيزفونة جاريتك وخادمتك ،هديتي لك مولاي...تفحصني الملك بعينين حانيتين...ومد يده فمددت يدي...سلمت على الملك...كدت اقفز فرحاً لولا إنني خفت نتيجة أفعالاً طائشة كهذه...فأكتفيت بأن رسمت ابتسامة كبيرة على شفتاي...برقت عينا الملك للحظات...ولكنه عاد لما كان يفعله قبلاً...كان يلقن صبياً كلاماً عن السلم والحرب والسياسة...وكان الآخر يكتبه على الورق الفاخر المؤطر بالذهب...قد يكون خطاباً أو شيئاً من هذا القبيل...لست أدري ولا يهمني على اية حال...وقد شعرت بخيبة

أمل كبيرة...عندما نودي على أحد الحراس...الذي جاء وأقتادني خارج مجلس الملك...

####################

الحلقة الرابعة-زيزفونة وجواري القصر


كان علي الآن أن أتعرف على مرافق القصر...وألتقي الجواري الأخريات... هذا هو ما قيل لي من قبل تلك المرأة الجليلة القدر فاطمة...إنها سيدة في حوالي الخمسين من عمرها...تعمل في القصر منذ أن كانت في الرابعة عشرة... كانت تعمل كخادمة آنذاك...فقد توفي والدها وهي في سن صغيرة ولم تمضِ سنين طويلة حتى لحقته أمها...فأصبح عليها هي الأخت الكبرى...أن تعول أحد عشر طفلاً...فلم يكن لها بد من أن تعمل مكان والدتها كخادمة في القصر...أخبرتني كيف كان عليها أن تتحمل مزاجية الملكة -أم الملك الحالي-رحمها الله...فقد كانت أمها الخادمة الشخصية للملكة...وعندما توفيت جيء بها لتعمل مكانها...وأخبرتني ايضاً أن الملكة كانت وعلى الرغم من تقلب أهوائها امرأة صالحة طيبة...وقد احبتها جداً وقربتها منها...فقد كانت فاطمة بجانبها في أحلك الأوقات كما في اسعدها...حتى إنها حضرت ولادة الملك...وعندما توفيت الملكة رحمها الله...اراد الملك أن يكافئها على مجهودها الذي بذلته مع أمه طوال تلك السنين...فأعطاها منصب كبير نسبياً...وأصبحت فاطمة رئيسة خدم وجواري القصر...أخذتني فاطمة في جولة حول بعض اقسام القصر...كنت متحمسة جداً...وأردت أن ازور جميع غرف و زوايا القصر...إلا أن فاطمة لم ترضَ بذلك وقالت: ليس بإمكاننا التجول والتسكع في ردهات القصر هكذا طول النهار...فالقصر كبير...وأجنحته متعددة...وغرفة ومرافقة كثيرة...ثم إنك يازيزفونة لست بحاجة للتعرف على جميع مرافق القصر...وما الفائدة من ذلك...إن كنت ستحتاجين القليل القليل منها...ولن يسمح لك إلا بدخول أقل من القليل منها...شعرت بخيبة أمل كبيرة...فأنا زيزفونة الفضولية...التي تدس انفها في كل كبيرة وصغيرة...كبحت جماح فضولي...وقلت لنفسي تعقلي يازيزفونة...صحيح إنك دخلتِ القصر كجارية فقط...ولكنك بالتأكيد تطمحين للافضل...وإن كنت أريد الافضل...فيجب علي الحيطة والحذر وإثبات حسن السيرة والسلوك...وهذه هي فاطمة مثال حي أمامي....تبعت فاطمة بعد ذلك بكل هدوء وأدب...وعندما وصلنا إلى إحدى الغرف الكبيرة...توقفت قليلاً امام البوابة المزخرفة...وقالت: والآن جاء وقت لقاء الجواري الأخريات، وعندما ننتهي من ذلك سآخذك إلى مخدعك الخاص...فتحت فاطمة البوابة الكبيرة ففتحت عيني وسعها...فلم أرَ في حياتي أجمل من تلك الفتيات...لدى الملك خمس عشرة جارية من مختلف أنحاء مملكتنا...وجميعهن مثقفات عارفات ورعات وجميلات جداً طبعاً...جلسنا نتحدث معاً زهاء الساعة...وقد لفتت نظري مرجانة...فقد كانت أكثرهن فتنة وجاذبية...أحسنهن قولاً ...اقواهن حجة...وأجملهن صوتاً ايضاً...وقد طلبت منها فاطمة أن تغني بيتاً من أبيات الشعر ترحيباً بي...فأنطلقت بصوتها الشجي تنشد ...اعجبت بصوتها ايما إعجاب...حتى إنني لم أنتبه لما يدور حولي من غمز ولمز...فقد كنت أحلق مع أنغام صوتها الشجية...وتخيلت نفسي سيدة هذا القصر...فامتلأ قلبي غبطة وسرور...أنتهت مقابلتي مع الجواري...والحق يقال إنني لم ارد أن أغادر ذلك المجلس...فقد سعدت جداً بالتسامر معهن...إلا إنني عقدت العزم والنية على ألا أخالف فاطمة أبداً فيما تقول...فمن ذا يعلم مكانتها ومعزتها لدى الملك...لربما كانت سبباً لتقريب صلتي بالملك...لذا وعندما طلبت مني فاطمة النهوض...نهضت فوراً وتبعتها حيث كان مخدعي الصغير...وعلى الرغم من كونه صغير ومتواضع نسبةً للغرف الأخرى الذي زرتها اليوم...إلا إنني فرحت جداً لأنني علمت بأن المخدع المجاور لمخدعي مباشرة هو مخدع مرجانة...خرجت فاطمة...فاستلقيت على سريري الصغير افكر...تركت مخيلتي الصغيرة تأخذني بعيداً...بعيداً حيث لا يعلم احداً...وفجأة فُتح بابي بهدوء بالغ...وتسلل رجل ملثم إلى داخل مخدعي...قفزت من سريري...وكدت اصرخ بصوتٍ عالٍ لولا أنه كان اسرع مني...واقفل فمي بكلتا يديه...شلتني المفاجأة عندما أزال اللثام عن وجهه...لم يكن إلا ذلك اللعين كبير وزراء الملك؟!...
########################

الحلقة الخامسة-كبير وزراء الملك


استمر في إقفال فمي بإحدى يديه...بينما أزال لثامه باليد الأخرى...قرب فمه من أذني وهمس بصوت خافت:أنتِ فتاة صغيرة ولكنك واعية جداً يازيزفونة...تعلمين جيداً إنني وكما أدخلتك القصر...استطيع أخراجك منه بكل سهولة...وحينها لن يعرف مكانكِ أحد...لذا أجلسي جانبي بكل هدوء...ودعي جميع اموركِ لي...جلست طائعة...فما كنت لأتسبب بإخراجي من قصر الملك بعد أن دخلته...ثم إنني اقسمت يوماً أن أفعل ما يستدعي الأمر...لأصل حيثما أريد...سأفعل مايريد مني ولن أتذمر...وكما يمحو النهار كلام الليل فسيمحوا افعاله أيضاً...جلس على سريري متربعاً بينما أجلسني بجانبه تماماً...أخذ يخبرني بأنه أعجب بي منذ أن رآني أول مرة في السوق أغسل خضرواتي وفواكهي بكل رقة وجمال...وإنه أعجب بي أكثر عندما لاحظ ذكائي وفطنتي وأنا أحاول بيعه كل مالدي...ثم استرسل في حديث طويل عن زواجه التعس من إبنة عمه الشرسة الطباع...تزوجها ليضمن لنفسه المركز والمال...فقد كان عمه هذا أحد مستشاري الملك السابق...وكان هو-اي كبير الوزراء-شاب طموح ،مثقف وذو همة عالية...لكن أباه لم يكن بغنى أو بمركز عمه...فلم يكن أمامه إلا أن تزوج بأبنة عمه...ليضمن لنفسه المال والجاه...وقد كان له ما أراد فكان عمه هو من أدخله قصر الملك...واستطاع هو بأساليبه الخاصة أن يلفت الأنظار اليه...وهاهو الآن كبير وزراء الملك...استمعت له بكل أنتباه...فمع اني أكره هذا الرجل وأتقزز منه...إلا انني أعترف إنني أُعجبت بأفكاره وقصة كفاحه...ولا يهمني إن كان قد سلك طرق ملتوية للوصول...فقد وصل لما يريد في نهاية الأمر...وهذا هو مايهم حقاً...لكن أمراً آخر شغلني جداً وأردت ان أعرف له جواب...أردت أن أعرف مالذي يفعله حقاً في مخدعي؟!...ولما يخبرني بكل هذا عنه؟!...وما دخلي أنا بزواجه التعس؟!...لم اتردد كثيراً...فبادرت إلى سؤاله: وما الذي تريده مني؟ ما الذي تريدني أن أفعله؟!...أجابني: أنك فطنة جداً يازيزفونة وهذا أكثر ما يعجبني فيكِ...ستكونين عشيقتي يازيزفونة !!!كما أنك ستكونين عيني التي ارى بها وأذني التي أسمع بها هنا في القصر!!!...لاحظ تعجبي مما سمعت...فأردف يقول...قد تتسائلين حتماً إن كان يريدني له...لما لم يأخذني كجارية له؟...لما أهداني للملك؟...ولكنك فطنة جداً يازيزفونة...وقد أخبرتك سابقاً أن زوجتي شرسة الطباع...ثم انها غيورة بشكل لا يصدق...وأنا لا احب اثارتها بأي شكل من الاشكال...ففي نهاية الأمر هي أبنة عمي وأم أبنائي...وبإمكانها ايضاً أن تثير العامة علي...فزوجتي تحب مساعدة الفقراء والمحتاجين...وتتمتع بصيت جيد وقرب من قلوب العامة...وجودكِ هنا في القصر افضل...فمن جهة ستكونين بعيدة كل البعد عن عين زوجتي...وسأستطيع أن أراكِ وأستمتع معك متى اردت وبدون أن أخشى شيئاً...ومن جهة أخرى ستكونين جاسوستي الصغيرة في هذا القصر الكبير...أنتِ داهية يازيزفونة مثلي تماماً...سألت: ألا تخشى أن يراك أحد وأنت تتسلل هكذا إلى مخدعي...أجابني بأنه لن يأتي من الباب بعد هذه الليلة...وإنما سيخرج من القصر ويلتف حول الحديقة...ليصل لنافذة مخدعي من الخارج... فلمخدعي نافذة كبيرة مميزة...وقد أخبرني بأنه وبطريقة من الطرق...دبر لي أمر الإقامة في هذا المخدع بالذات... لازلت أتذكر جيداً الكلمات التي أختارها ليشرح لي الطريقة التي سوف يطرق بها على نافذتي لكي افتح له كل ليلة...وقد حدد التاسعة مساء وقت للقاءنا الليلي...فهذا هو وقت نوم الجميع...وقف ليسوي ملابسة...جذبني حتى وقفت بجانبه...أخرج سوار ذهبي صغير مرصع بحجارة ملونة... ألبسني اياه ثم أخذني بين ذراعيه وقَبَلَ جميع أنحاء وجهي... تمنى لي ليلة سعيدة وغادر...شعرت بالقرف الشديد منه...تمنيت لو كنت أمتلك نهراً يجري تحت رجلي...فقد اردت أن أغتسل لأمحو آثار قبله اللعينه من على وجهي...قلت بصوت مسموع نسبياً ياليته يغادر الدنيا كما غادر مخدعي...لكني لم ألبث إلا وأن تراجعت عن كلامي هذا...فقد كان سبب دخولي القصر...ولربما كان سبب في وصولي حيث أريد...عدت لأستلقي على سريري وقد بدأ عقلي في حبك أول خيوط خطتي...خطتي للوصول...

#######################


الحلقة السادسة-دوامات الحيرة


وتتابعت لقائتي مع ذلك الخائن اللعين...كان يأتيني بإنتظام...لم ينقطع عني ليلة واحدة...ولم يتأخر عن موعده أبداً...كرهته لذلك وكرهته لشدة تعلقه بي وكرهته أكثر لأنني لم أستطع أن أخبره بحقيقة مشاعري نحوه... كنت أغرق في دموعي كلما غادر مخدعي تاركاً واحدة من هداياه الثمينة وراءه...كرهت حقيقة اضطراري لقبول كل هذا...ألم تكن حياتي حينما كنت فقيرة أجمل...كنت أكسب رزقي بعرق جبيني...ولم أكن بحاجة لأحد...كنت أشعر بالأمان كلما دخلت منزل خالتي سعدية...حتى عندما توفيت وأصبحت وحيدة...حتى عندما كنت أبكي واصلي طالبةً من ربي أن يأخذ روحي ويرحيني من عناء الفقر والوحدة...كنت أسعد حالاً...لم أكن أحس بأنني ازرح تحت حمل ثقيل كالذي يجثم على صدري...لم أكن اشعر بأنني أختنق...أدركت أخيراً إنني كنت حرة...كنت أملك نفسي...وقد بعتها لقاء ثمن زهيد...لقاء حفنة من المجوهرات...أثواب حريرية...وسقف مزخرف فوق رأسي...يالك من غبية يازيزفونة...وعلى الرغم من أفكار التحرر والإنطلاق التي راودتني...إلا إنني أدركت إنه لا مفر من مصيري هذا...ليس هناك من طريقة تخرجني من هذا القصر...ثم إنني على اية حال لم أعد أستطيع العيش كما كنت أعيش سابقاً...فقد تعودت على حياة الترف هذه...ولم أعد استطيع ان أعمل كالسابق...لذا كان من الأفضل لي أن أتناسى عذابي...وأن اسكت ألمي الا متناهي...وأن أركز جيداً في خطتي التي بدأت أنسج خيوطها...خطة الوصول كما اسميتها سابقاً...لست افهم نفسي حقاً...كيف أجمع بين جميع هذه المشاعر والأماني والأحلام...بدأت اتسائل من جديد...من أنا؟!...هل أنا فتاة طيبة؟!...أم العكس؟! ...مالذي دهاني ؟!...لم أعرف حقاً...كنت غارقة في أفكاري صباح أحد الأيام...عندما سمعت طرق خفيف على بابي...فتحته فأطلت فاطمة بقامتها الطويلة...وصاحت بي: زيزفونه أيتها الشقية...اين انت؟!...لما لم تأتي لتناول الفطور معنا...وأظنها لاحظت ملامحي المنهكة...فقد قالت: تبدين شاحبة جداً يازيزفونة...رحلة الغد ستفيدك حتماً...قلت متعجبة: رحلة الغد!!!...ابتسمت وقالت: آآآآآآه يالي من عجوز غبية...وقبل أن أعترض على وصفها لنفسها بهذا الشكل الفضيع...تابعت تقول بحماس: لقد نسيت أن أخبرك...أذهب مع باقي الجواري في رحلة لأحدى مزارع الملك مرة كل شهر...نغادر صباحاً ونعود مسائاً...تستمتع الفتيات هناك كثيراً...فالجو بديع...والخضرة تنتشر في كل مكان...كما إن النهر يخترق هذه المزرعة من شمالها لجنوبها...لن تصدقي عينيك عندما ترين جمالها...غادرت فاطمة فعدت لدوامة أفكاري...مساء تلك الليلة...تخلف كبير الوزراء عن الحضور لمخدعي لأول مرة...شعرت بالغبطة أول الأمر...ثم ما لبثت مشاعري أن تحولت...وشعرت بحنين إليه...اردت أن يأتي ليدللني كما كل مساء...أنهمرت دموعي لتبلل وجهي...وشعرت بأسى مابعده أسى...لماذا أحن لمن أكره؟!...لما تضايقت عندما تخلف عن الحضور؟!...ألست تلك الفتاة التي كانت تتمنى موته ليلة البارحة؟!...من أنا؟!...من انا؟!...هل يستطيع أحدكم أن يخبرني من هي زيزفونة؟!...ومن ذا يستطيع...إن كانت زيزفونة لا تعرف زيزفونة...صحوت صباح اليوم التالي...فوجدت نفسي نائمة على الارض...نهضت فشعرت بالألم يسري في كل خلية من خلايا جسدي النحيل...طُرق الباب...وكما توقعت كانت فاطمة...طلبت من أن اسرع لتناول الإفطار...فالعربات ستنطلق بعد ساعة تماماً من الآن...أخبرتها بعدم رغبتي بالذهاب...فقالت بصوتها الواثق:ليس الخيار لك...ارتدي ملابسك حالاً وانزلي لتناول الإفطار...وإلا جررتك جراً...لم اشأ أن أجادل...ففعلت ما أرادت...ووجدت نفسي بعد ساعة أجلس بجانبها في احدى العربات التي أنطلقت من القصر وإلى مزرعة الملك...

###################

الحلقة السابعة-مزرعة الملك


انطلقت الفتيات حالما وصلت العربات للمزرعة...أنتشرن يركضن ويلعبن بين الزهور كما الفراشات... كان منظرهن جميل جداً...لكني لم اشعر بالإنتماء إلى عالمهن...شعرت إنني أختلف عن جميع الجواري الأخريات... ففيما كُن يمرحن كنت أنا اتأمل جمال المزرعة وأستنشق الهواء العليل...أحسست براحة عجيبة وأنا اشق طريقي بين الأشجار المثمرة...تذكرت حديقة خالتي سعدية الصغيرة...بأشجارها المثمرة...شعرت بالسعادة تسري في عروقي وأنا أرى الطيور والفراشات تتراقص حولي...شكرت الله على نعمه المنتشرة حولي وشكرته مرة أخرى على فاطمة الحنونة...لولاها لما كنت هنا الآن...الحمدلله...وصلت لمكان هاديء من المزرعة...تحيط به الأشجار من كل جانب...ويخترقه جزء ضحل من النهر...خلعت الرداء الذي كنت أرتديه...افترشته واستلقيت فوقه...تركت نفسي كلياً للطبيعة الأم...أصخت سمعي لخرير المياة وزقزقة العصافير ونقنقة الضفادع وحفيف الأشجار...بينما حلقت في عالم الخيال ...تخيلت إنني اميرة هذا العالم...عالم البراءة والنقاء...وتمنيت أن أغسل قلبي بمياه النهر التي تجري بجانبي...وهل يغسل الماء الهموم؟!...أغمضت عيناي وغططت في نوم عميق...حلمت إنني أسافر فوق غيمة...وإنني أنظر من الأعلى لأرى جميع من أحبهم يلوحون لي بمرح...رأيت خالتي سعدية وفاطمة وتلك المرأة اللطيفة التي رأيتها في بيت كبير الوزراء ((عاتكة)) وحتى الملك... لوحت لهم بسعادة وصرخت بأعلى صوتي سلام عليكم يا أحباء زيزفونة...وفجأة رأيته فأحسست بإنقباض في قلبي...رأيت كبير الوزراء...فتلاشت الغيمة التي تحملني...وبدأت أهوي للأسفل...صرخت وأستنجدت بخالتي سعدية ثم بفاطمة وعاتكة وبالملك ايضاً...فلم يسمعني أحد...صرخت بصوت أعلى فلم يبدو إن هناك اي نوع من الإستجابة لصرخاتي...وعندما أقتربت جداً من الأرض...صحوت من نومي فزعة...نظرت من حولي لأجد نفسي في مزرعة الملك...تعوذت بالله من الشيطان الرجيم...ورحت أغسل وجهي بماء النهر...شعرت بالإنتعاش فأخذت أرش الماء رشاً على باقي أجزاء جسدي وأنا أضحك بصوت عالٍ...وفجأة سمعت صوت خشخشة ورائي...أخذتني المفاجأة...فتوقفت عن التنفس للحظات...جلت بنظري ابحث عن مصدر الصوت...فرأيته يقف هناك...وراء إحدى اشجار التفاح يراقبني....

##################
الحلقة الثامنة-زياد

أسرعت لردائي الملقى على الأرض...أرتديته على عجل...كان لم يزل واقفاً في مكانه يبتسم...شعرت بالود تجاهه...فإبتسامته الخلابة لم تترك لي مجالاً للتفكير...بادلته الإبتسامة بينما تشاغلت باللعب بماء النهر...تقدم نحوي وجلس بجانبي ...أنزل رجله في النهر...وبادر بسؤالي: أنت إحدى جواري الملك،أليس كذلك؟!...أجبته بنعم وأنا أمد يداً نحوه واليد الأخرى تلعب في خصلات شعري الذي عقدته إلى الأعلى بشكل جذاب...ثم عرفته بنفسي قائلة: أنا زيزفونة...مد يده ليصافحني وهو يقول : وأنا زياد... أحد بستانيي القصر ولكنني اليوم هنا لأخدم السيدة فاطمة وباقي الجواري...رسمت أبتسامة عريضة على شفتاي وقلت: هذا يعني أنك في خدمتي جزئياً...رد على إبتسامتي بابتسامة أجمل منها وهو يقول: تستطيعين قول ذلك...ولا أخفيكم إني شعرت بالغيرة الشديدة من جمال هذا الفتى وحلاوة مبسمة...إلا إن مشاعر الغيرة تبددت عندما لاحظت نظرات الإعجاب التي ارسلها نحوي...وفجأة أمتدت يده لتسحب يدي من شعري...وبحركه أخرى سريعة فك عقدة شعري فأنسدلت خصلاته السود لتغطي بعضاً من وجهي وأكتافي...جذبني اليه وقبلني فلم أمانع وابدلته القبلة قبلتين...احتضنني بقوة فتركت نفسي كلياً بين ذراعيه...فقد شعرت بإنجذاب فوري تجاهه...وكذلك هو كما أظن...جلسنا هكذا نتحدث ونتلاطف زهاء الساعتين...وعندما سمعت صوت فاطمة قريباً...نهضت مسرعة وغادرت مخبأي السري...كما أحببت ان أسميه وقتها...غادرت مخبأي تاركة شيئاً مني هناك...لم ادري مالذي دهاني...شعرت برغبة في التحليق عالياً...ركضت سريعاً نحو فاطمة...غمرتها بين ذراعي وقبلت جبينها وخديها...تسائلت متعجبة:مالذي حدث لك يافتاة؟!...تبدين مرحة مشعة...لا أصدق إنك إنت زيزفونة التي لم تكن تريد مغادرة القصر صباحاً...ألم اقل لك إن هذه الرحلة سوف تفيدك!!...وافقتها بهزة من رأسي...وذهبت اساعد الفتيات في شواء اللحمة...تحدثن معي بود ولطف شديدين...وقد بدت ملامح السرور والغبطة على وجه كل واحدة منا...وعند وقت الغداء أكلنا جميعنا بشهية...كان زياد يتناول طعامه على مقربة منا...وقد تعلقت عيني عليه وتعلقت عينه علي طوال الوقت...حل المساء...فبدأنا نجمع الاشياء وركبنا العربات عائدات إلى القصر...كنت منهكة قليلاً ولكن قلبي منشرح...راقبت القمر طوال الطريق...ولم يكن القمر كما المعتاد بل كان أجمل بكثير...و عندما وصلنا القصر انطلقت مسرعة لمخدعي...غيرت ملابسي...واستلقيت على سريري افكر في زياد...حلقت في عالم وردي جميل...تذكرت كلامه ولمساته وهمساته...فتسارعت دقات قلبي...تسائلت بيني وبين نفسي هل هذا هو الحب ؟!...لم تدم افكاري الوردية طويلاً...فسرعان ماجذبتني دوامة اخرى من الأفكار والتساؤلات...سألت نفسي كيف لبستاني صغير يعمل في قصر الملك أن يتجرأ ويغازل جارية من جواري الملك؟!...هل يحدث ذلك لغيري من الجواري؟!...وهل يعلم الملك مايحدث في كواليس قصره؟!...يلا لعقلي البغيض لما يتحول دائماً من حالةٍ لأخرى؟!وبدون سابق إنذار...تخلف كبير الوزراء عن موعدنا لليلة الثانية على التوالي...لكنني الليلة لم أهتم بتاتاً...بل العكس تماماً شعرت بالراحة الشديدة...وعدت مرة أخرى لأفكاري الوردية...فما نفع التفكير فيما يهم ويغم ... وعلى اية حال لا يجب علي أن افكر في الملك ابداً...فمنذ أول يوم لدخولي قصره ولغاية اليوم لم اره إلا مرة واحدة...ولم يفكر في زيزفونة ولم يسأل عنها يومها...قلت لنفسي أنه من الأجدر بي أن افكر فيما يسعدني و يريح قلبي فقط...وفي تلك الاثناء سمعت طرقاً خفيفاً على نافذتي...انقبض قلبي عندما تخيلت دخول كبير الوزراء في هذا الساعة من الليل...ولكن انقباض قلبي تحول إلى إنشراح عندما فتحت النافذة وأطل وجه زياد الصبوح منها...

######################


الحلقة التاسعة-سوق المسحورين

في زاوية من زوايا السوق كانت تقام سوق صغيرة تسمى "سوق المسحورين"...بائعيها مجموعة من الشبان...و زبائنها من الفتيات فقط...فهذه السوق لا يراها ولا يسمع نداء بائعيها إلا الفتيات العذراوات ...وهي سوق تحاول الأمهات دائماً إبعاد بناتها عنها...فمن تدخلها من الفتيات ينتهي بها الأمر للإدمان على ما يباع في تلك السوق...كما إن من تدخلها مرة لا تستطيع دخولها مرة أخرى...كانت خالتي سعدية تحذرني من هذه السوق دائماً...وتخبرني مراراً وتكراراً عن قصة فتاة أسمها وردة...سمعت نداء الباعة المسحورين يوماً...جذبها صوتهم الشجي وكلامهم العذب ووصفهم الشهي للفاكهة المسحورة...ودفعت جنيهها الذهبي ثمن للفاكهة المسحورة التي تباع هناك...تذوقت وردة طعم لم تذق مثله في حياتها...وقررت أن تذهب بجنيهاتها الفضية لتذوق نوع آخر من الفاكهة المسحورة... بحثت عن سوق المسحورين فلم تجدها...ذهبت تسأل هذا وذاك فلم يجبها أحد...خارت قواها فسقطت على الأرض تبكي...وفجاة أحست بيد تمسح على رأسها...رفعت رأسها فرأت إمرأة عجوز...رثة الملبس شعثاء الشعر...سألت وردة العجوز عن سوق المسحورين...نظرت لها العجوز مشفقة وسألت:هل فقدتِ جنهيك الذهبي عندهم؟!...نعم أجابت وردة...فإذن يا فتاتي لن تسمعي نداء الصبية المسحورين ولن تري سوقهم أو تتذوقي فاكهتهم بعد اليوم قالت لها العجوز...لم أكن أعي المعنى الحقيقي لهذه القصة...كنت أظنها واحدة من قصص خالتي سعدية الخرافية...لكنني اليوم وبعد مرور شهر من لقائي بزياد أعرف تمام المعرفة...مالذي كانت تقصده خالتي بسوق المسحورين...فقد فقدت جنيهي الذهبي عندما تذوقت فاكهة زياد المسحورة...ثم فقدته هو...فقدته بعد أن أحببته حباً لا يمكن وصفه بالكلمات...أخذ قلبي وجنيهي الذهبي وغادر القصر...سألت عنه فاطمة فأخبرتني بأنه ترك القصر ليعمل في مكان آخر...أخبرتني ايضاً أنه تزوج بأبنة خالته...كان يخبرني عن ابنة خالته تلك...وكيف أن خالته وأمه تريدان تزويجه بها...ولكنه كان يرفضها لأنه لم يكن يحبها بل يعتبرها كأخته الصغيرة...كان يتنهد بحسرة ثم يقول:ياليتني استطيع أصطحابك معي لتراكِ أمي...عندها لن تزعجني بقصة ابنة أختها ابداً...فمن يراكِ يا زيزفونة...لا يستطيع أن يرا غيركِ...كنت سعيدة جداً بزياد وبحبه لي...بذلت الغالي والنفيس لأجله...لم أعد اهتم بخطتي للوصول...ولم تعد لقائاتي السابقة بكبير الوزراء تزعجني...فقد كان زياد يخفف علي كل متاعب الحياة وينسيني كل همومها... لأجله كنت مستعدة أتم الإستعداد للإستغناء عن حياة الترف والعودة إلى حياة الفقر والحاجة... لكنه أخذ ما يريد مني وذهب مع الريح...غريب كيف تفقد أعقل الفتيات عقلها عندما يطرق الحب أبواب القلب...غريب كيف تفرط أشرف الفتيات بعرضها من أجل عيني الحبيب... آآآآآآآآآآآه ما أغباكِ يازيزفونة....عاد كبير الوزراء للقائي بعد طول إنقطاع...أخبرني بأنه أضطر لأن ينقطع عني لأن زوجته اصبحت تشك في غيابة المتكرر حتى وقت متأخر في الليل...كما أخبرني بأنه سوف لن يلتقيني كل ليلة وإنما سيزورني بشكل متقطع...فرحت لذلك الخبر...ولكنني تظاهرت بالحزن...لم يشك ابداً في ماقلته ...فلهذا الرجل ثقة عمياء بنفسه...وكان يظن إنني متيمة به...أجلسني في حجرة ...أخذني بين ذراعيه...وضع رأسي على صدره...وبدأ يدلك كل جسدي...أغمضت عيني و تظاهرت إنني في حضن زياد...آآآآآآه يا زياد...متى ستخرج من قلبي؟!متى؟!...أخذني النعاس فنمت...استيقظت صباح اليوم التالي...لأجد نفسي في سريري وبجانبي كم هائل من الهدايا والمجوهرات...هدايا كبير الوزراء...لم أشعر بالسوء هذه المرة...وإنما فرحت بها جداً...

################

PS: قصة سوق المسحورين...مستوحاة من قصيدة قصصية بعنوان

Goblin Market

لكرستينا روستي...أنصحكم بقراءة القصيدة لأنها حلوة جداً

http://www.victorianweb.org/authors/crossetti/gobmarket.html
##################
الحلقة العاشرة-جولة في القصر


تمر الأيام وأنا لا أزال على حالي...أنا زيزفونة الصغيرة...لازلت ألتقي بكبير الوزراء...أمثل عليه دور من تهيم به حباً...واستقبل هداياه بفرحة مصطنعة...ولازلت أخطط للوصول...أصبحت أيامي كلها رمادية اللون... وأنا أكره هذا اللون الممل و أعشق كل الألوان الأخرى...لذا فقد قررت عدم الإستسلام لرمادية أيامي... وأخذت عهداً على نفسي بتلوين الدنيا من حولي بكل ألوان الطيف... رددت وأنا أراقب أنعكاس صورتي في المرآة : مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة...وخطوتي الأولى ستكون زيارة سرية لمختلف أرجاء القصر و مرافقه...لربما صادفت شيئاً مختلفاً ...ولربما تعرفت على أحدهم... أخرجت أحد أثوابي العادية...فقد أردت أن أبدو كخادمة تعمل في القصر...لست أريد لفت الأنظاربأحد الأثواب المبهرجة كالتي ارتديها يومياً لأثير إعجاب كل من حولي...بل أردت منظراً عادياً جداً غير لافت للإنظار...منظراً يتيح الفرصة لي لأتنقل بين أقسام القصر واجنحته وألهو كما أشاء...خرجت من مخدعي ورحت أجول في أقسام القصر ...ساقتني قدماي إلى مطبخ القصر...جذبتني الروائح الشهية فدخلت...فوجئت بضخامة المطبخ وبعدد العاملين به...صاح بي رجل ضخم البنية: تعالي هنا يافتاة، لما تقفين كالبلهاء؟!...هيا و أبدأي بتنظيف الصحون فوراً...شعرتُ بالغبطة لأنني نجحت في مسعاي...فقد اردت ان ابدو كخادمة...وها أنا ذا أحصل على ما اريد...شمرت عن سواعدي وأنظممت إلى مجموعة تنظيف الصحون... وقف بجانبي فتى صغير الحجم بريء الملامح...كان يجهد نفسه في تنظيف قاع قدر كبير...تأملت تقاطيع وجهه وهو يفرك القدر بجهد بالغ...راقبت قطرات العرق وهي تنحدر على وجنتيه...كان منظره بغاية العذوبة والجمال...لم أستطع مقاومة الإغراء...أردت التعرف عليه حالاًَ...أخذت أراقب الوضع حولي...وحينما سنحت لي أول الفرصة...ركضت مسرعة جاذبتاً اياه من أحدى ذراعيه...سحبته ورائي وأخرجته من المطبخ ولشدة دهشتي فقد تبعني طائعاً ولم يعترض...ركضت سريعاً لغاية مخدعي...فتحت بابي ودفعت بالفتى إلى داخل المخدع...دخلت مسرعةً وأغلقت الباب ورائي...جلس على سريري واستغرق في نوبة ضحك شديدة...فضحكت معه...كان وجهه يضج بالحيوية... بحيث شعرت بالسعادة تتدفق في عروقي وأنا أراقبه يضحك...وعندما توقف أخيراً عن الضحك سألني :مالذي يحدث؟!...فوجدت نفسي اخبره قصة زيزفونة من أولها لآخرها...استمع لقصتي بكل إهتمام...فكان يبتسم حيناً ويعبس حيناً آخر...حتى إنه بكى معي على خالتي سعدية...وانفعل حين أخبرته عن قصتي مع زياد...أخبرني هو الآخر عن قصته...كان حسن وهذا هو أسمه...إبن أحدى العاملات في القصر وأبوه أحد طباخي الملك...وهو يعيش في القصر ويعمل به منذ أن كان صغيراً... وكان يكبرني بحوالي العام...وجدت في هذا الفتى الصغير مالم أجده في غيره من الرجال...كان بريئاً نقياً ساذجاً...وكان ايضاً عديم الخبرة في النساء...فقد أخبرني بكل خجل إنني أول فتاة يتحدث معها بإنفتاح هكذا...رسمت إبتسامة على وجهي وأنا أخبره بأنني سأكون آخر فتاة يحدثها أيضاً...لم أدر مالذي كنت أعنيه بتلك الكلمة... لكنه أبتسم لي وهو يقول : اتمنى ذلك يازيزفونة...أفزعتني جملته هذه...ولكنني لم اتخل عما قررته بيني وبين نفسي مسبقاً... وقفت أمامه وقلت بطريقة من يخطب في القوم: قررت زيزفونة الصغيرة...أن تأخذ حسن ابن الطباخ معها في رحلة من ألف ليلة وليلة...وعليه فقد وجب عليهما ختم الأوراق اللازمة... لمغادرة أرض القصر المملة...إلى سماء الخيال والسعادة...بعد هذا الخطاب السريع...طلبت منه أن يقف أمامي...نهض من على سريري وهو يرتب ثوبه...كان يبدو وديعاً هادئاً...ولقد حركت نظراته البريئة شيئاً ما في داخلي وجعلتني أجذبه إلى أحضاني وأقبله...أخذته المفاجأة ففتح عيناه العسليتان على اتساعهما...وأحمر وجهه خجلاً... فلم يكن ذلك رادعاً لي...بل أغراني أحمرار وجهه فأنهلت على خديه بوابل من القبل...طلب مني أن اتوقف عما كنت أفعله...توقفت وأنا اتأسف له عما بدر مني...ولشدة دهشتي فقد أخذني بين ذراعيه وقبلني هو هذه المرة...أبتسمت له وأنا أخبره عن الطريق الخارجي المؤدي إلى مخدعي...حددت الساعة 3 فجراً من كل خميس موعداً للقائنا...وافق مغتبطاً و ودعني ببإبتسامة عذبة من مبسمه الخجول...

#################

الحلقة الحادية عشرة-أحداث تلون حياتي

تلونت أيامي بعد أن تعرفت على حسن...كنت التقيه يومياً في حديقة القصر...إضافةً إلى لقاء الخميس السري...أستطعت أن اوقع حسن الصغير في حبائلي...ولكنني لم اكن أبادله الشعور ذاته...إنما كان شعوري ناحيته مختلفاً...كان مزيجاً من العطف والأمومة...شعرت بطريقة ما إنني مسؤولة عنه...وإنه إبني الصغير على الرغم من كونه يكبرني ...ولكنني لم أستطع إخباره بهذه الحقيقة...لأنني لم أرد أن أجرح شعوره...ثم ماذا عساي أن أقول...هل أخبره أنني فعلت به كل ما فعلت لكي اتسلى فقط؟!...هل أقول له إنني سحبته إلى عالمي وأنا مدركة كل الإدراك إنه سيقع في غرامي... فقط لأنني كنت اشعر بالملل؟!...وعلى أية حال فإنني أحببت حسن...احببته حباً يتجاوز الرغبة في التملك...ولكنني لا أفكر به كما يفكر بي...ثم إنني لم أعده بشيء...لأجل كل ذلك ولأنني أحببت ان أراه سعيداً...تظاهرت إنني أعشقه وأهيم به...وقد صدقني المسكين تماماً...عدا قصتي مع حسن...فقد ظهرت ضيفة جديدة بالقصر...لا ليست بضيفة وإنما هي مقيمة دائمة... فلقد عادت واحدة من جواري القصر القدامى بعد أن غادرته لمدة من الزمن...عرفت بأنها كانت في زيارة طويلة لأمها المريضة...ولكن أمها توفيت الآن فعادت الأخيرة إلى القصر...كنت أجلس مع فاطمة في مجلس الجواري حين جاءت لتسلم علينا...تفحصتني بعينيها الواسعتين وهي تقول: أنتِ زيزفونة، أليس كذلك؟...أجبتها بهزة من رأسي فجمالها حبس صوتي في حلقي فأبت الكلمات ألا تخرج ...فقالت: وأنا زليخة...توقف قلبي عن الخفقان وأنا أسمع اسمها...زليخة؟!....زليخة؟!...زليخة هي إحدى جواري الملك...وهي مثلي هدية من كبير الوزراء...وقد اخبرني عنها مراراً وتكراراً...فقد كانت عشيقته قبلي...ولكنها عندما غادرت أكتشف إنه كان مفتتن بجمالها فقط... وعندما ألتقاني و وقع في حبي كما كان يقول...فقد توقف عن التفكير في جميع النساء...فمن يعرف زيزفونة لا يحتاج لغيرها...لم اكن أصدق كلامه هذا...فقد كنت اعرف جيداً...إنه لايزال يريدني لأنني لست كالباقيات...فأنا لم اسلمه نفسي كلياً...واحتفظ لنفسي بمسافة معينة من البعد بيني وبينه...ولم أركض خلفه يوماً كالبلهاء...ولو كنت أحبه فعلاً كزليخة هذه...لتركني في غضون اشهر أو حتى أسابيع ...شيئاً واحد حيرني في كل ما يحدث حولي...وهو كيف تلهو جواري الملك هكذا في قصره وهو لا يعلم؟!... ولما لا يتورع احد من رجاله عن إقامة علاقات مع جواريه متى أرادوا؟!...أين الملك من كل هذا؟!...حيرني هذا السر طويلاً وأقسمت أن أعرف الحقيقة سواء طال الزمان أم قصر...لم يعد لدي ما أتذمر منه...فحياتي مليئة بالأحداث الصاخبة...ضاجة بالحيوية الآن...فهناك حسن الصغير...ثم هناك زليخة التي بات معروف لجميع من يعرفني ويعرفها في القصر إنها تكهرني كراهية عمياء...وعلى عكس ما يظن الجميع... فإنني استمتع بكراهيتها لي وبشائعتها المغرضة التي تطلقها حولي كل يوم وآخر...ولكنني كنت أتظاهر بالإنكسار والحزن الشديد وذلك لأكسب الجميع في صفي أنا...فإن اختارت زليخة الحرب ضدي... فقد اختارتها ضد الشخص الخطأ...كنت على أتم الإستعداد لأن اوحد الصفوف معها لنشن حرباً ضد كبير الوزراء...ولكن الغبية زليخة كانت تحبه... فمالذي استطيع فعله لها؟!...لتذهب للجحيم هي و من تحب...وسأكون يوماً سبباً لإقتلاعها هي وحبيبها المتصابي من قصر الملك...ولن أندم على ذلك أبداً...

###############

الحلقة الثانية عشرة-ماذا بعد يا زيزفونة؟


عادت أيامي لرماديتها...فلقاءاتي بحسن لم تعد تسعدني...بل أصبحت اشعر بتأنيب الضمير لشدة تعلقة بي...وشائعات زليخة اصبحت تضايقني...أصبحت أشعر بالإنكسار فعلاً...ثم إن ذلك الملعون كبير الوزراء أصبح متطلباً جداً...أحسست إنني أبيعه جسدي مقابل لاشيء...فهداياه الثمينة لا تعنيني...وهذا القصر الذي أحضرني له أصبح كالسجن الكبير...كنت أريد أن أحلق عالياً في سماء من السعادة والرفاهية...ولكنني أردت الرفاهية العاطفية وليس المادية...فقد أدركت الآن إن المال لا يصنع السعادة...بل هو يقيدها في كثير من الأحيان...تذكرت الأيام الخوالي مع خالتي سعدية...كان لنا جار في السوق يدعى بلال وزوجته تدعى سمية...كان لهما من الأولاد سبعة وعلى الرغم من شدة فقرهما إلا إنني لم اسمعهما يوماً يشتكيان...ولم أر منهما إلا وجههما الباسم المقبل على الحياة بشغف...كانا يغنيان ويرويان قصصاً مضحكة طوال الوقت...وكانت رفقتهما مسلية جداً...كنت استغرب كل هذه السعادة...لكنني ادركت الآن سرهما...وتمنيت حياة كحياتهما...أدركت أن تعاستي سببها خياراتي الخاطئة في كل شيء...فمنذ دخلت هذا القصر لم أفعل شيئاً خيراً...كل ما فعلته هو التملق لذلك الملعون الأكبر...ثم بددت شرفي عندما دخلت في علاقة غير مشروعة مع زياد...والآن حسن المسكين جررته لطريقي القذر وسرقت قلبه...كل هذا لأجل ماذا؟!...ليس لدي إجابة شافية على هذا السؤال...قررت أن أجلس جلسة مصارحة مع نفسي لأرى مالعمل في كل هذا...وتوصلت إلى قراراً مفاده تصحيح أخطائي كلها...ولكن قبل ذلك كله كان لزاماً علي أن أزيح كبير الوزراء بعيداً عن الطريقي...فقد كان هو من يحجب نور الشمس عني... آآآآآآآآآه كم أتوق للخروج من هذا المستنقع الموبوء....تفاجأت صباح أحد الأيام بصوت طرق خفيف على بابي...فتحته لأجد فتاة صغيرة تقف خجلى...مدت يدها لتصافحي وهي تسأل: مولاتي زيزفونة؟!...فاجأتني بعبارتها فلم أعرف ما أقول...لكنني استدركت نفسي وسألتها :أقلتي زيزفونة؟!...أجابتني :نعم مولاتي...هززت رأسي وأنا أقول نعم أنا زيزفونة ... عادت لتمد يدها لمصافحتي وهي تقول:وأنا ياسمينة...وصيفة مولاتي زيزفونة...هتفت :وصيفة لي أنا؟!...وصيفة لزيزفونة!!...إنه لشيء مفرح جداً...كانت ياسمينة فتاة لطيفة جداً...وقد أعتنت بي عناية فائقة...ولم تكن علاقتي بها كعلاقة السيدة بوصيفتها وإ نما كانت كأخت لي...وبعد عدة أيام من وصولها...صدر قرار بنقل مخدعي إلى غرفة أخرى اكبر وأجمل...لم اعرف من صاحب هذه الهبات المفاجأة...لكنني تأكدت إنه ليس بكبير الوزراء...فمسألة نقلي وإحضار وصيفة لي تتعارض كلياً مع مصالحه العامة...وعندما ظننت إن ماحدث من تغيرات في حياتي سيمنعه من لقائي...أكتشفت إنني مخطأة فقد تدبر أمره بطريقة ما...وأستمر يلقاني كلما أَحَبَ... عزمت على التخلص منه نهائياً...وجائتني الفرصة على طبق من فضة بعد عدة أيام من قراري هذا...

################


الحلقة الثالثة عشرة-مائدة الملك
هل الغاية تبرر الوسيلة؟!...وهل يُصحح الخطأ بخطأ آخر؟!...لن أقول أبداً إنني لا أعرف الإجابة على هذه الأسئلة...فإنني على دراية تامة بأن إتباع الأساليب الملتوية للحصول على ما نريد...قد يؤدي إلى نتيجة فورية ومرضية...ولكن الأمر لن يخلو من عواقب مستقبلية وخيمة...ولست أتكلم هنا كمن يجلس على كرسي عاجي ويطلق أحكامه هنا وهناك...إنما أتكلم عن وعي وتجربة مسبقة...فدائماً ما كانت أخطائي تأتيني بأمطار من الحزن والكئابة وتأنيب الضمير والشعور بالدونية...وعلى الرغم من معرفتي التامة بقاعدة جزاء الأعمال ...إلا إنني قررت ولآخر مرة أن أرتكب خطأ آخر...ولكنه خطأ سيمحو مصدر أخطائي الرئيسي من حياتي...سأستخدم دهائي لأتخلص من الملعون الأكبر...كبير الوزراء...وقد جائتني فرصتي على طبق من فضة...تُعد في القصر الملكي مائدة سنوية لجميع العاملين في القصر...ابتداءاً من حراس القصر وإنتهاءاً بكبار موظفي القصر من مستشارين و وزراء...وهي فرصة رائعة للإختلاط والتعارف بين الجميع...سحبت ياسمينة من ذراعها...وذهبنا إلى حديقة القصر حيث تقام المائدة...كنت متحمسة جداً لمقابلة الجميع...ولم يكن في نيتي أن أجلس مع مجموعة معينة...أو أرافق شخصاً معيناً طيلة الوقت...اردت أن أختلط بهذا وذاك...اردت أن انطلق وأتحدث مع الجميع...وأكثر من أي شيء آخر اردت أن أتلقي بشخص يفيدني في تنفيذ خطتي...لذا فقد تخلصت من رفقة حسن وياسمينة بأن ألهيتهما ببعضهما...أجريت تعارف سريع بينهما وعندما انسجما في الحديث غادرت وتركتهما...كنت أتذوق الأصناف المختلفة من الاطعمة عندما جاء شاب بهي الطلعة وجلس بجانبي...كنت أعرف إنه أحد مستشاري الملك ...فقد كان ذائع الصيت بين الجواري والعاملات في القصر..."مروان " مستشار الملك الشخصي...شاب من شباب الطبقات العليا في مملكتنا...ولكنه ولسبب من الأسباب يهوى تكوين علاقات قصيرة الأمد مع فتيات صغيرات السن ومن الطبقات الدنيا للمجتمع..."مروان العسل" هكذا كن يسمينه...بالنسبة لي لم يكن إلا بائع من بائعي سوق المسحورين...تظاهرت بالإهتمام عندما تحدث مطولاً عن نفسه...أخبرني كل ما يريدني ان أعرفه عنه...ثم قال إنه معجب بي جداً وإنه هو من أرسل الوصيفة لي...وكان السبب في نقلي من مخدعي المتواضع إلى هذه الغرفة الملكية الرائعة...شكرته ببإتسامة فانهال علي بكلمات غزلية يخفق لها الفؤاد...والحق يقال بإنني أنا زيزفونة لا استطيع مقاومة الغزل أو المديح...ولكنني اقسمت مسبقاً ألا أعيد تجربة سوق المسحورين ... ثم إن وجودي معه الآن ليس بغرض إقامة علاقة غرامية ...إنما هو طوق نجاتي وطريقي للتخلص من الملعون الأكبر... لذا فقد تركته يتحدث كما يريد...أردته أن يشعر بالإنسجام معي...أردته أن يكون تحت تصرفي وطوع إشارتي متى أردت...وكنت أعلم جيداً إن قوة الإنصات للمتحدث وتأثيرها أكبر كثيراُ من قوة الثرثرة والكلام...فإن كنت تريد إن يقال عنك انك متحدث بارع فليس عليك إلا ان تنصت بإهتمام...وعندما فرغ من حديثه ...جاء دوري في الحديث...اجبته عن كل اسئلته...اخبرته بما أراد أن يعرف...ثم أنتهزت أول فرصة وقلت باسلوب واثق: هل تريد التخلص من كبير الوزراء و أخذ مركزه؟...نظر لي بهلع فلم أترك له مجال للتحدث وإنما واصلت الحديث ... أخبرته بشكل مفصل عن كل الحقائق التي أعرفها عن كبير الوزراء...عن حقيقة كوني عشيقة له وعن رغبة كبير الوزراء في الوصول إلى كرسي الملك... رتبت حديثي بشكل لا يدع له مجال بالشك في ما أقول...ثم استعملت حقيقة صغيرة أعرفها عنه هو شخصياً...حقيقة يخشى أنتشارها في القصر ليصل صداها للملك... عدل جلسته واستمر ينظر لزيزفونة الصغيرة بعين الخوف والهلع...فطمأنته مخبرتةً إياه إن سره معي في بئر عميق...مادام سينفذ ما اقوله حرفياً...والآن وقد اصبح كالعجينة بين يدي...اشكلها كما اريد...قلت له: انظر حولك...وابحث لي عن كبير الوزراء...ثم اردفت:لا تتعب نفسك فلن تجده هنا...إنه هناك داخل إحدى غرف القصر مع إحدى جواري الملك...جارية الملك المخلصة "زليخة"...أرجو أن تأخذ عدة شهود معك لتقبضوا عليه متلبساً...و تذكر إنني لا اعرفك وأنت لا تعرفني...وإلا فأنت تعرف ما مصيرك...تركته يسبح في بحر من الذهول...وعندما نهض ونادى عدة من مستشاري الملك وعدد من الحراس...لبست عباءة سوداء ولحقتهم ... اردت أن اتحقق شخصياً من نجاح خطتي...

#################

الحلقة الرابعة عشرة-زيزفونة تصحح اخطائها


تم لي ما أردته ...فقد انكشفت حقيقة كبير الوزراء للجميع...ثم تم نفيه هو وزليخة بتهمة خيانة الملك ...فتمنيت لهما حياة رغيدة في ظلال منفاهما الوارفة...تغيرت حياتي بعد نفيه رأساً على عقب...أستطعت التفكير بوضوح أكبر...وشعرت بقلبي يرفرف بحرية...أنطلقت للحياة بلا خوف ولا حواجز...وأكملت طريقي في تصحيح أخطائي...فعقدت علاقات صداقة مع من يعجبنني من الجواري...واصبحت محبوبة من الجميع...و تردد أسمي على ألسن الجميع...زيزفونة ذات الصحبة الممتعة...زيزفونة المتدفقة الحيوية...زيزفونة صديقة الجميع...أما فيما يتعلق بحسن...فقد تدبرت امره بطريقة ما...ابعدت نفسي عن طريقه بينما زرعت ياسمينه مكاني...كان واضحاً بالنسبة لي إنهما ينسجمان جيداً مع بعضهما...ولم تمضِ مدة طويلة حتى قرر الزواج بها...لازالت ياسمينة وصيفتي حتى بعد زواجها بحسن...وهي حامل في شهر الخامس وقد قررت مع حسن أن يسميا المولود زيزفونة إن كانت فتاة...كم اشعر بسعادة بالغة لأجلهما...مر وقت طويل دون مشاكل أو احداث غريبة...كنت لا ازال أعاني بعض آثار أخطائي السابقة...ولكن اموري كانت تتحسن يوما عن يوم...وسعادتي تكتمل بحب الجميع وتقديرهم لي...شعرت إنني في بيتي مرة أخرى...شعرت بالراحة التي كنت احسها في بيت خالتي سعدية...لقد سلكت درب النور...وها هي الشمس تغمر روحي باشعتها المشرقة لأتألق كنجمة في سماء حالكة السواد...كنت استلقي نهار يوم الأحد على سريري الوثير أتامل في خفايا النفس البشرية...فكرت كيف ان من يزرع شراً يحصد اشواكاً تغرز نفسها في روحه لتدميها وتخلف جروحاً لا تندمل مهما طال الزمن...بينما من يزرع خيراً يحصد ثماراً شهية يستمتع بتناولها مع كل من حوله...قطعت علي ياسمينه حبل افكاري عندما دخلت مخدعي وأخذت تتشاغل بترتيب الوسائد الملقاة على الأرض...كنت اعرف ياسمينة جيدا وعرفت إنها متى كانت تريد ان تخبرني بشيء ما فإنها تتشاغل بأشياء تافهة ليس لها معنى...نهضت من على سريري وتوجهت إليها...رحت اشاغبها ببعثرة الوسائد هنا وهناك...وعندما تابعت ترتيبها للوسائد كلما بعثرتهم أخذتُ اكبر وسادة على الأرض وألقيتها عليها بخفة...أخذت تقهقه بصوت عالٍ ثم قالت :حسناً حسناً ، سأخبرك بما أعرفه فقد سمعت لتوي أحدهم يخبر فاطمة بأن اسم زيزفونة اصبح يتردد كثيراً في مجلس الملك...وإن الملك ينوي مقابلة مولاتي زيزفونة في القريب العاجل...

###################

الحلقة الخامسة عشرة-أنا والملك

تم استدعائي لمجلس الملك بعد حديثي مع ياسمينة بيومين...ولا أدري لما لم اشعر بالحماس للذهاب...كنت أشعر بالاكتفاء في حياتي وظننت أن لقائي بالملك لن يقدم أو يؤخر شيئاً...سمعت صوت داخلي يحدثني قائلاً :غريبة أنتِ يازيزفونة...قبل سنة من اليوم كنت ستكونين في قمة سعادة لو استدعيت من قبل الملك...كنتِ ستفخرين بنفسك وستقولين لقد آن أوان تنفيذ خطة الوصول...واليوم وقد تم استدعائك فإنك تتململين وتدمدمين بألفاظ غير مفهومة رافضةً الذهاب هناك...هناك حيث حلمت دائماً بلقاء الملك...نعم غريبة أنا كما هي غريبة الدنيا...فعندما كنت أحاول جهدي للوصول...لم تكن حياتي وخياراتي إلا سلسلة من الفشل الذريع والأخطاء الكبيرة...كنت كمن يركض خلف قطرة من الزئبق محاولاً إمساكها والسيطرة عليها ...واليوم وعندما تبدلت حياتي وكل مفاهيمي الحياتية...عندما أصبح لدي الكثير لأفعله...عندما لم يعد الوصول يعني شيئاً لي...هاهي فرصتي الكبيرة تأتيني وبكل سهولة... أليست غريبة هي هذه الدنيا؟!...ارتديت ثوباً حريري لؤلؤي اللون...وعقدا من اللؤلؤ...وخفاً ابيضاً مطرزا بخيوط من ذهب...ضحكت وأنا أتذكر أنها هدايا الملعون الأكبر...صففت شعري بطريقة مبتكرة ولكنها بدت لي لطيفة جداً... وتعطرت بزيت العود الذي يأتيني خصيصاً من بلاد الهند...لم افهم لما أهتم لمنظري كل هذا الاهتمام...ولما اتسائل :كيف سأبدو في عين الملك؟!...إن كنت لا أحبذ فكرة الذهاب لمجلسه أصلاً...غريبة أنت يا زيزفونة...غريبة أنتِ يازيزفونة... رحت أدندن هذه الكلمات وأنا أرقص أمام مرآتي...وفجأة سمعت صوت طرق عنيف على بابي...فتحته لأجد أحد حرس الملك يدعوني لمرافقته لمجلس الملك...تبتعه وقلبي يدق بعنف...دخلت مجلس الملك وراء الحارس...فعادت لي ذكريات اليوم الأول بالقصر...أنتباني شعور بالحزن والأسى...نبذت هذا الشعور حين رأيت الملك يجلس أمام مائدة الإفطار...ولشدة عجبي فقد كانت مائدة متواضعة جداً...دعاني الملك شخصياً لمشاركته طعام الإفطار...جلست طائعة بينما رسمت ابتسامة على محياي...جذبني منظر الملك وهو يتناول طعامه...كان يأكل بشهية طفل صغير...ويعبث بطعامه بطريقة لطيفة جداً...قلت لنفسي: يا له من ملك لطيف ومهذب...وبلا تخطيط مسبق مني انفلتت مني ضحكه عفوية ...قهقهت بصوت عالٍ بينما توقف هو عن تناول طعامه وأخذ يرمقني بنظرات غريبة...أخيراً استطعت أن أسيطر على ضحكي...شعرت بإحراج بالغ عندما سألني عن سبب ضحكي...أردت أن اخترع موضوعاً ينقذني من عناء الشرح...لكن نظراته أجبرتني على قول الحقيقة...أخبرته إنني تذكرت نفسي عندما كنت طفلة...كنت آكل مثله عندما كانت خالتي سعدية توبخني ...فقد كنت طفلة شقية ودائما ما أتبعت أساليب ملتوية لأفعل ما أريد...و حين يكون وقت تناول الطعام فإنني كنت أثير الفوضى حولي...فقط عندما كنت أتعرض للتوبيخ كنت آكل بهدوء ونظام...كما كان مولاي يفعل الآن...ضحك وهو يستمع لقصتي فشعرت بفرحة عارمة...وأصبح الملك يستدعيني كل صباح لأشاركه طعام الإفطار...كان وقت الإفطار هو اسعد أوقاتي...فقد اكتشفت إن ملكنا رجل حلو المعشر مرح لطيف وعطوف جداً...كان رجلاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى...كان مثال حي لفارس أحلامي...حمداً لله على نعمته التي أنعمها علي...

####################

الحلقة السادسة عشرة-من أنا؟
و وقعت في حب الملك...وأحبني هو كذلك...أحبني بصدق وعاملني بكل حنان وشاعرية...أحسست أنني أمتلك الدنيا بين يدي...في أحضانة لم اشعر بأنه الملك وإنني الجارية إنما أحسست إنني أنثى بكل ما تحمله الكلمة من معاني ...كنت أسعد مخلوقة على وجه الخليقة...وتفانيت لإسعاده والحرص على رضاه...وقد حاول هو جاهداً أن يخلق لي الجو الذي احلم به...لم يكن يسمح لأي شي بأن يعكر مزاجي...وقد كان يكتشف ضيقي بالنظر إلى عيني فقط...أحسست ان بإمكاني اخباره كل مايدور بذهني بلا خوف أو حواجز...وقد أخبرته مراراً عن أكبر آهاتي ...كنت أتوسد ذراعه و اتسائل بصوت عالٍ من أنا؟...من هي زيزفونة؟...من هم والداي؟!...ومن أطلق علي هذا الاسم؟!...وعادةً ما كان يأخذني بأحضانه ويضع يده على رأسي ويكلمني بحنان...يشعرني إنني أنتمي أليه...كان يقول لي: أنا أمك وأباك...أنا عالمك ودنياك...وكنت أشعر بالراحة لفترة وأتوقف عن طرح هذه الأسئلة لمدة معينة...ثم أعود لها مجدداً...وفي أحدى ليالينا الجميلة معاً... حيث كنت أقضي الليلة عنده...كان يقرأ لي قصيدة ملحمية طويلة... تتحدث عن بطل أسطوري يقطع البحار والمحيطات ليصل إلى ارض غريبة ...ويعيش بين أهلها كواحد منهم ...ويجابه وحوش مخيفة ويحمي الجميع من مخاطر عدة...ثم يصل صيته لملك تلك الأرض...فيقلده وسام الفارس ويعرض عليه الزواج بإحدى بناته...لكنه يطلب منه أن يخبره عن أصله وفصله...فيغادر البطل هذه الأرض بلا رجعة...لأنه مجهول الهوية...وقد غادر أرضه ووطنه ليتخلص من شعوره بالنقص الناتج عن ذلك...فأكتشف أن هذا الموضوع سيلاحقه أينما ذهب... أنصتُ للقصيدة باهتمام بالغ بينما أنهمرت دموعي لتبلل الوسائد التي كنت استلقي عليها...أنتبه لي فتوقف عن القراءة...ألقى بالكتاب على أحدى الطاولات الجانبية...وجاءني حيث استلقي...أبعد خصلات شعري عن وجهي المبلل...مسح دموعي و وضع رأسه برأسي...نظر في عيني وهو يقول سأخبرك بقصة أخرى...قصة فتاة أسمها سعاد ... أبوها عمٌ لملك أحدى الممالك...توفي أبوها وهو لا تزال شابة وكانت تعاني قسوة أخوتها...وعلى الرغم من ثرائها الفاحش وأصولها الملكية العريقة...إلا إنها كانت تشعر بأنها سجينة...وقد تعرفت سعاد على أحد الشباب البسطاء و وقعت في غرامه...وعندما أرادات الزواج به...منعها أهلها من ذلك بحجة أنه فتى فقير ويطمع في أموالها...فما كان منها إلا أن تزوجته سراً وهربت معه لخارج المملكة...ويقال أنهما عملاً جنباً لجنب ...وكونا ثروة صغيرة في فترة قصيرة...وقد عاشا كزوجين سعيدين وأنجبا فتاة صغيرة...لكن زواجهما لم يدم طويلاً فقد مرض زوجها مرضاً شديداً وتوفي...وبعد حوالي العام من وفاته عادت سعاد لمملكتها مع أبنتها...وأشترت بيتاً متواضع في حي من أحياء العامة...وقد غيرت من اسمها فأسمت نفسها سعدية ...و أدعت أن ابنتها ليست إلا فتاة يتيمة تربيها بداعي الشفقة... وأخذت تعمل مع ابنتها في السوق لتأمين لقمة العيش...وقد علم أخوتها بأمر رجوعها ولكنهم تظاهروا بعدم معرفتهم بذلك الأمر...فقد كانوا قد أستولوا على نصيبها من ميراث أبيها...وقد ماتت سعاد منذ حوالي الثلاث سنين...أما ابنتها فقد ساقها القدر لقصر أبن عم أمها...وهي بين احضانه الآن...أنا أبنة خالتي سعدية!!!...سعدية هي أمي؟؟؟...ولما أخفت ذلك طيلة تلك السنين؟!...أجابني الملك: لقد أرادت أبعادك عن الأجواء التي عاشتها...كانت ترى الفقر والعازة ارحم حالاً من السجن ذو القضبان الذهبية ...ألا توافقيها الرأي يازيزفونة؟! تسائل الملك...طبعاً أوافقها الرأي يامولاي أجبته...وألتمس لها العذر أيضاً...فقد ارادت أن تحميني من تأثير الترف على النفس البشرية...ولكنني كنت أتمنى أن أعرف حقيقة كونها أمي...لم ارد أن أعرف من أي مستوى أجتماعي تنحدر...وأظنها أخفت عني هذا الأمر لأنها علمت إنني لن أتوقف عند حد معين وسوف اسأل عن كل شيء...كانت تعرف إنني فضولية...خالتي سعدية ليست سوى أمي!!...وهذا يفسر سبب إعتنائها بي بهذا الشكل...ويفسر سبب تشابهنا... ويفسر سبب ترك منزلها كميراث لي...الآن فقط عرفت لماذا كانت تستشيط غضباً عندما كنت اسألها عن والدي في صغري...كانت هذه الليلة من أسعد ليالي حياتي... أراد الملك أن يخبرني كيف عرف بأمري...لكنني اوقفته لم أرد ان أسمع المزيد...كان يكفيني أن أعرف أنها أمي...ولم أرد أن أعرف المزيد من التفاصيل...كنت اسعد من اسأل عن تفاصيل هذا الأمر...

####################

الحلقة السابعة عشرة والأخيرة


على الرغم من سعادتي الكبيرة إلا أن أمراً واحدا ظل يلح علي بشدة...أردت أن أعرف إذا كان الملك يعلم بأمر علاقات رجاله مع جواري قصره...لم استطع سؤال مولاي الملك عن ذلك مباشرة...خشيت ان يعلم بما كان من أمري مع كبير الوزراء ثم مع زياد وحسن ومستشاره الشخصي ايضاً...لذلك فقد وظفت مخبراً شخصياً لهذا الغرض...وكان حاجب الملك بلال...وقد كان الأمر سهلاً جداً فما كان علي إلا أن أمتدحه قليلاً وأدس في أحد جيوبه مبلغاً صغيراً من المال بحجه تفانيه في خدمة الملك وإستحقاقه للمكافأة المجزية...وبكل سهولة اخبرني بكل ما أريد...لكن ما عرفته لم يعجبني ابداً...فحقيقة أن ملكنا يترك امور إدارة قصره كلياً لرجاله ومستشاريه جعلتني اشعر بإنقباض في قلبي...ولكنني كنت التمس له العذر فهو مشغول كلياً بإدارة امور البلاد...في ليلة من ليالي النور وتحت أشعة القمر الفضية...اخبرني برغبته في الارتباط الرسمي بي...طلب مني أن اتكرم وأقبل ان اكون جلالة الملكة...لم استغرب هذا الأمر كلياً فقد كان حبنا اكبر من أن يحتوى بعلاقة كعلاقتنا الحالية...أحببته حباً تخطى حدود الواقع والخيال معاً...وأحبني كما أحببته وأكثر ...وكان زواجنا هو النهاية الطبيعية الوحيدة...لم يرد ان أكون مملوكه له فقد أحس بروحي الحرة ترفرف بسعادة حوله...فأتخذ هذا القرار...وانشغلت في تحضير أمور الزفاف الذي كان سيقام بعد مدة قصيرة...بينما انشغل هو في إدارة أمور البلاد...فلم أعد أراه كثيراً...وقد ترك مكانه فراغاً كبير...فكنت اقضي اوقات فراغي هذه بالتنزه في حديقة القصر...وهناك كنت التقي واحد من رجال الملك المقربين...كاتب الملك حســـان...كنا نتحادث لفترات طويلة وأعتاد ان يخبرني عن العديد من الأمور...استمتعت بصحبته جداً ولكنني كنت اشعر بتأنيب الضمير...لأنني كنت أعلم إنه معجب بي وإنه يحاول التقرب مني ولكنني لم أفعل شيئاً لأمنعه أو حتى أوقفه...في الحقيقة كنت اشعر بالإطراء ...وإن كلماته السكرية كانت تأثر فيني...لم انوي الدخول معه في علاقة طبعاً ولكنني وجدت نفسي متورطة معه...لم أشعر بنفسي إلا وقد دخلت في دوامة العلاقات مرة اخرى...كان هذا الأمر يؤرقني...لذلك فقد توقفت عن رؤيته في الحديقة...وأصبحت التقيه شخصياً في مخدعي...و تطورت علاقتنا إلى علاقة خاطئة...وعاد السهر يؤرقني...وعادت أفكاري السوداء... وأصبحت لا أطيق نفسي...ومع هذا لم استطع التوقف عما افعل....وفي احد صباحات لقائنا وبينما كنت في احضانه...فتح بابي بقوة...ودخل كبير وزراء الملك-مستشاره الشخصي سابقاً مروان- ومعه عدد من رجاله ومعاونيه...ولم اشعر بنفسي إلا وأنا ملقاة على أرض زنزانة باردة ومظلمة...مر وقت طويل ربما أيام أو أسابيع...وأنا اقبع في تلك الزنزانة الموحشة...لم يزرني أحد ابداً...و حقيقة شعرت بالخزي والعار ولم ارد أن ارى احداً...وفي احد الايام فتح باب زنزانتي ودخل مروان...أخبرني إنه حكم علي شخصياً بالإعدام...في العادة تكون عاقبة خيانة الملك هي النفي...ولكنه قرر إنني استحق الإعدام شنقاً لأن مافعلته كان اكبر من خيانة الملك...كان خيانة لروحي وكياني...وقد كان محقاً في كلامه...لكنني كنت اعلم إن سبب إعدامي ليس بهذا السبب...إنما لأنني اعلم عنه الكثير مما يخشى أنكشافه...وفي ليلة من الليالي الحالكة...الليلة التي تسبق يوم إعدامي مباشرة...وبينما كنت غارقة في دموع الحسرة والندم...فتح باب زنزانتي ودخل منها رجل فارع الطول لم استطع تمييزه بسبب الظلمة الحالكه...وعندما تحدث وسمعت صوته قفز قلبي لغاية حلقي...تلمست جسده القريب مني وأنا ابحث عن قدميه...رحت اشمها واقبلها وأعتذر له...مولاي حبيبي حياتي و روحي سامحني...إنني أريدك أن تنفذ حكم الإعدام بيديك...فأنا استحق ذلك...بل وأستحق اكثر من ذلك...سحبني من على الأرض...وفي ظلام الزنزانة مسح دموعي بيديه ثم ضمني إلى صدره بكل حنان...وأنحنى قليلا ليقبل كتفي فبلله بدموعه...أخبرني إنه يحبني كما لا يحب أحداً...لكنه لا يستطيع أن يراني بعد اليوم في قصره فشعوره بالخيانة أدمى قلبه...ومن جهة أخرى فهو لن يستطيع ان يدعهم أن ينفذوا حكم الإعدام بحقي...قرب شفتيه من اذني وقال لي: اهربي يازيزفونة،أهربي ارجوك...فلن استطيع الحياة إن هم أعدموكِ...خرجت من قصره تحت جنح الظلام...لكن ظلام مشاعري كان أكبر...أرحمني يا الله وأهدني إلى طريق الحق...لمحت ضوء خافت يأتي من بعيد...تبعته فوجدت أنه مدخل دار للعبادة...دخلته وسجدت لربي...ودعوت اللهم اغمر قلبي بنورك...اللهم أحمي مولاي وارسل له من يمسح الآهات والجروح التي خلفتها زيزفونة... يارب العلمين يا الله...
##########

النهاية

Free Blog Counter





الثلاثاء، ١٣ مايو ٢٠٠٨